معركة غزة .. بين وعيد الصهاينة وهندسة المقاومة
سليم الزريعي
يبدو أن حسابات أمريكا ليس فيما يتعلق بالهدف المشترك الذي هو سحق المقاومة في غزة، وإنما في كيفية تحقيق الهدف دون إحراج أدواتها في المنطقة من الأنظمة الرسمية العربية ولتحاشي غضب شعوب العالم ضد الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، ضمن سؤالي متى وكيف؟ خشية أن تتكرر مواقف الرئيس الكولومبي لدي شعوب ودول أخرى، سيما وأن الولايات المتحدة مع الكيان قد توعدا بسحق المقاومة في غزة.
إن مفهوم السحق هو هدف ربما لا يتعدى أن يكون أمنيات لأن المقاومة لديها ما تقول دون التقليل من إمكانيات العدو، وهنا من المفيد التذكير باجتياح الكيان الصهيوني لبنان وصولا لبيروت ومحاصرتها عام 1982 متحالفا مع قوى لبنانية ، لكن الكيان عجز بآلته العسكرية والمساندة الداخلية والخارجية عن تصفية الثورة الفلسطينية مع الفارق بين الفترتين لجهة قدرات المقاومة الآن، هذا من جانب ، ومن جانب آخر تخشى أمريكا انكشافها وأدواتها في المنطقة إذا ما تواصلت المجزرة ضد المدنيين، بحيث لا تستطيع أمريكا تبرير ذلك من أجل حفظ ماء وجه أدواتها في المنطقة أمام الشعوب العربية المحتقنة ضد واشنطن، كما أن من شأن معركة تجري تحت مفهوم (السحق) أن تكون دامية ، كونها ستستحضر هيروشيما بلا إنسانيتها وإجرام ولا إنسانية من ارتكبها، وهو ما يعد له الكيان الصهيوني وفق الصحفي الأمريكي، سيمور هيرش، نقلاً عن مصادر بأن القوات الإسرائيلية تعتزم القيام في قطاع غزة بشيء مماثل لما قامت به أمريكا من تدمير لمدينة هيروشيما اليابانية، ولكن من دون أسلحة نووية.
فقد نقل هيرش عن مصدره المطلع على خطط الجيش الإسرائيلي قوله: “إن مدينة غزة في طريقها لأن تصبح هيروشيما دون استخدام الأسلحة النووية”.
ويشير هيرش، مستشهداً أيضًا ببيانات من مصادر، عبر منصة “سوبستاك”، إلى أن “إسرائيل ستشن عملية برية في قطاع غزة من أجل القضاء على جميع أعضاء حركة حماس الفلسطينية المتبقين في المدينة وعدم ترك أي منهم على قيد الحياة”.
وأضاف الصحفي: “خطة نتنياهو هي أن يقوم الجيش الإسرائيلي بقتل كل عضو في حماس يمكن العثور عليه”.
وإذا ما حدث ذلك فإنها لن ستكون وصفة بانفجار غزة، ولكن بانفجار كل المنطقة، وربما ستضع المنطقة خارج نطاق السيطرة وفق المفهوم الأمريكي، وذلك من شأنه أن يعيد ليس فتح جدوى اتفاقيات التطبيع المبرمة أو تلك التي بدأت أمريكا في الإعداد لها من أجل جعل الكيان جزءا من المنطقة العربية ضمن ما يسمى الشرق الأوسط الكبير ، وإنما حول الوجود الأمريكي في المنطقة في ذاته، وهو يضع من ثم علامة استفهام جول مشاريع أمريكا الاقتصادية والجيوسياسية التي سبق أن بشر بها الرئيس الأمريكي جو بايدن منذ عدة أسابيع..
إن معركة وفق المواصفات التي يتحدث عنها الكيان الصهيوني هي دعوة لتدخل أطراف أخرى، سواء كالتزام وطني أو عقائدي أو سياسي أو إنساني، بما يعنيه ذلك من فتج جبهات ضد الكيان والوجود الأمريكي في المنطقة وتحديدا في العراق وسوريا .
وهذا ما يجعل الإدارة الأميركية تشعر بالقلق إزاء التداعيات المحتملة للغزو البري الوشيك لقطاع غزة، وحجم الخسائر المدنية المحتملة، خصوصا وأن ثمة تساؤلات أميركية حول خطة إسرائيل لما بعد الغزو البري. لأن واشنطن تتخوف من توسع نطاق الحرب مع تهديدات “حزب الله” اللبناني الذي يضع إصبعه على الزناد ليطلق النار إذا لم توقف إسرائيل هجماتها ضد غزة.
ومن ثم يبدو أن أسباب تأخر الدخول البري لا تتعلق باستعداد الكيان الذي اكتمل، وحصوله على تفويض ودعم غير مسبوق من القوى الإمبريالية الغربية من أجل ما سموه سحق المقاومة في غزة، وإنما لجهل طبيعة المفاجآت التي ستواجهه عند دخوله في المعركة البرية التي قد تجعله يدفع ثمنا باهظا وهو أمر له مردود سلبي على وجود المشروع الصهيوني في فلسطين في ذاته، وهو ثمن يجعله يفكر كثيرا قبل بدء المعركة البرية ليس من أجل إلغاء المعركة البرية ولكن بإجراء تعديلات على خطته من أجل أعلى قدر من المكاسب بأقل الخسائر، كونه ذاهب إلى معركة غير تقليدية ويجهل تفاصيلها .
ولأنه عدو نازي متوحش وغير إنساني، بدأ بالضغط بالدم والأشلاء الممزقة على السكان المدنيين لإحراج المقاومة في ظل حصار غير مسبوق شبهة الرئيس الروسي بوتين بحصار النازية لمدينة لينينغراد في الحرب الوطنية العظمى، وأيضا لاستهداف الحاضنة الشعبية لها باعتبارها شريكا في طوفان الأقصى الذي كان حدثا غير مسوق كونه هز جذور المشروع الصهيوني من الأساس، فهي أول معركة تجري داخل ميدان سيطرة العدو في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 ،وفي مواقعه العسكرية وتضمنت أسر هذا العدد الكبير من العسكريين ونقلهم إلى غزة.
ولذلك فإن العسكريين الصهاينة الذين يعدون الجمهور الصهيوني المذعور بالنصر، يجيبون على سؤال المدى الزمني لما يسمى بسحق المقاومة بأنه مفتوح، وربما يستمر سنوات، كون السر في ذلك يكمن في أن المقاومة هي من نسيج الشعب .. ليكون سؤال مأزق الكيان ، هو إن غزة لن تكون وحدها تقاتل، بل ستفعّل الساحات الأخرى مفاعيل الاشتباك خلال تلك المدة الزمنية سواء في الضفة العربية، أو مواقع الشتات الفلسطيني أو محور المقاومة؟
وخلاصة القول إن غزة وأهلها لن يكونوا وحدهم في الميدان، بل سيحفزون الشعب العربي كله على أن يشارك في المعركة مع أهل غزة، كل وفق شروط موقعه.