من تنافس صامت إلى تحالف محتمل.. سر التحول المفاجئ في العلاقات بين السعودية وسلطنة عمان

أضيئت ناطحات السحاب في العاصمة السعودية الرياض بلوني العلم العماني الأحمر والأخضر، احتفاءً بوصول السلطان هيثم بن طارق في أول زيارة له خارج بلاده منذ توليه السلطة، في تطور لافت للعلاقات بين سلطنة عمان والسعودية.

وتعد زيارة سلطان عمان للسعودية، يوم الأحد 11 يوليو/تموز، هي أول زيارة لحاكم عماني للمملكة منذ 10 سنوات، وقد تكون علامة على تغيُّر التحالفات في منطقة الخليج، في الوقت الذي تسعى فيه السعودية للتقارب مع دول تربطها علاقات وثيقة مع خصمها الإقليمي إيران، حسبما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.

وتتزامن زيارة السلطان هيثم إلى مدينة نيوم، حيث استقبله الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مع افتتاح أول معبر بري يربط البلدين في الوقت الذي تحاول فيه عُمان تنويع طرق التجارة.

إضافة إلى ذلك، أمر مجلس الوزراء السعودي المسؤولين بإعداد وتوقيع مشروعات اتفاقيات بين عمان والسعودية في عدد كبير من المجالات تشمل التجارة والثقافة وترويج الاستثمار والبريد والنقل.

واللافت أن الزيارة تتزامن مع الأزمة في العلاقات بين السعودية والإمارات والتي فجرها رفض الأخيرة لتمديد اتفاق داخل أوبك لزيادة إنتاج النفط، لأنها تشترط زيادة حصتها من الإنتاج، في المقابل ردت الرياض بفرض سلسلة من الإجراءات التقييدية على اتفاقية الإعفاء الجمركي الخليجي التي نظر إليها أنها تستهدف الإمارات بشكل خاص؛ حيث قالت الرياض إن الواردات القادمة من المناطق الحرة أو المرتبطة بإسرائيل، سوف تُستثنى من اتفاقية التعريفة التفضيلية بين دول الخليج، وهو ما يحتمل أن يوجه صفعة على وجه أحد الأعمدة الأساسية للاقتصاد الإماراتي.

شيء ما يجري وراء الكواليس بين سلطنة عمان والسعودية

وفي هذا السياق، قال أيهم كامل، رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في Eurasia Group لاستشارات المخاطر السياسية: “كان هناك الكثير من العمل وراء الكواليس لمحاولة بناء أساس لشيء أكثر أهمية بين السعوديين والعمانيين. ويُنظَر إلى السلطان هيثم في الرياض على أنه أقرب إلى السعودية فيما يتعلق بشؤون الخليج”.

وقد يمثل توثيق العلاقة بين سلطنة عمان والسعودية هدية اقتصادية لمسقط، التي تكافح لتنويع اقتصادها بعيداً عن النفط. إلى جانب أنه يأتي في الوقت الذي يتواصل فيه الأمير محمد بن سلمات مع الدول التي أُبقِيَت سابقاً بعيدة بسبب الاختلافات في نهجها تجاه إيران، وفقاً لـ”Bloomberg “.

فقد أقامت المملكة العربية السعودية مؤخراً علاقات أوثق مع العراق، واستضافت رئيس وزرائها في مارس/آذار، وتصالحت هذا العام مع قطر- الجارة الخليجية التي انفصلت عنها في عام 2017.

ويتزامن تحسن العلاقات بين سلطنة عمان والسعودية، مع تصاعدت التوترات بين الرياض وجارة أخرى في مجلس التعاون الخليجي، هي الإمارات العربية المتحدة؛ بسبب الخلافات حول السياسة النفطية، والآراء الجيوسياسية، والمنافسة الاقتصادية.

وعلَّق كامل: “الأمر يبدو كما لو أنه جاء ولي عهد جديد بفكر مختلف نحو الشؤون الإقليمية. إنه مهتم أكثر ببناء علاقة متعددة الأوجه تتمحور حول دول مجلس التعاون الخليجي، وليس كالسابق حيث تم الاعتماد على حليف واحد، وهو الإمارات العربية المتحدة، بل يتبنى هذا النهج الجديد أيضاً شبكة أوسع بكثير من التحالفات”.

أسباب الخلافات العمانية السعودية

لطالما كانت العلاقات بين عمان والسعودية فاترة على الرغم من حدودهما المشتركة؛ حسب وصف وكالة Bloomberg.

إذ يتخوف المسؤولون السعوديون من العلاقات الودية بين عمان وإيران، بينما حرص المسؤولون العمانيون على التزام الحياد في منطقة مضطربة، وكانوا قلقين من النفوذ المفرط من جارتهم الأكبر.

وزاد التوتر في السنوات الأخيرة بين سلطنة عمان والسعودية بسبب حرب اليمن، إذ تُعَدُّ سلطنة عمان هي الدولة الخليجية الوحيدة التي لم تنضم إلى التحالف السعودي الذي يحارب الحوثيين، وظلَّت محايدةً في اليمن، وغالباً ما تستضيف محادثاتٍ مع الحوثيين في مسقط.

ورأى السلطان قابوس في عام 2016 أن قرار السعودية بالتدخُّل في اليمن كان قراراً متهوِّراً. أما خليفته، فهو مهتمٌّ بمستقبل اليمن حقاً، ولا سيما محافظتيّ المهرة وحضرموت في الجنوب الشرقي من اليمن.

وشكل اليمن سبباً لزيادة الخلافات بين البلدين لأسباب عدة، حيث يحتفظ العمانيون باتصالات مع الحوثيين؛ إضافة إلى نفوذ في المناطق الحدودية اليمنية الملاصقة للسلطنة في مواجهة محاولات الإمارات والسعودية ترسيخ نفوذهما في اليمن الجنوبي الذي يمثل أهمية خاصة لخطوط النقل بالنسبة للتجارة العالمية ودول الخليج.

وابتداءً من عام 2017، سيطَرَ السعوديون تدريجياً على المهرة، واحتلوا العاصمة والميناء، وسيطروا على المراكز الحدودية مع عمان، حسب تقرير مؤسسة Brookings الأمريكية.

ويراقب العمانيون عن كثبٍ دور السعوديين في المهرة. كانت المهرة قاعدةً لجنوب اليمن الشيوعي لدعم تمرُّد ظفار في السبعينيات، والذي هُزِمَ بعدما أرسل شاه إيران قواتٍ لمساعدة الجيش العماني.

في سبتمبر/أيلول 2019، أسّس قادة احتجاجات المهرة، بدعم من عُمان، مجلس الإنقاذ الوطني الجنوبي لمواجهة المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات وإخراج القوات العسكرية التابعة للتحالف بقيادة السعودية من كلٍّ من المهرة وجنوب اليمن. ويُطالب هؤلاء القادة السعودية بوقف التدخلات، وإعادة جميع المرافق الحيوية بما في ذلك المنافذ والمؤسسات الحكومية، وتسليمها إلى أبناء المهرة.

سلطنة عمان والسعودية
العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز وسلطان عمان هيثم بن طارق يتبادلان الهدايا الملكية في القصر الملكي في نيوم بشمال السعودية، 11 يوليو 2021 /رويترز

يكمن هدف السعوديين الأساسي والمعلن في إبقاء الحوثيين خارج شرق اليمن، لكن مصالحهم الاقتصادية المتزايدة في المهرة دفعتهم لإبعاد الإمارات، التي تريد هي الأخرى السيطرة لحماية خطوط الملاحة التجارية على الساحل الجنوبي اليمني، حسب كارنيغي.

فمن الواضح أن استراتيجيات السعودية والإمارات في اليمن قد تتصادم أحياناً.

أما عُمان، التي كانت أكثر حياديةً في السابق، فقد عزّزت بدورها دعمها غير المباشر لليمنيين- عبر المال والسيارات والتغطية الإعلامية والاتصالات الدبلوماسية- لتأمين حدودها.

والسيطرة على المهرة تمنح المملكة السعودية وصولاً مباشراً إلى المحيط الهندي. وتعتزم الرياض بناء خط أنابيب نفطي من منطقتها الشرقية الواقعة على ساحل الخليج العربي عبر المهرة إلى البحر العربي المفتوح على المحيط الهندي، بحسب بعض التقارير.

ومن شأن ذلك أن يخفِّف من اعتماد السعودية على مضيق هرمز (الذي يصل بين المحيط الهندي والخليج) لتصدير النفط، وهو المضيق الذي يستطيع الإيرانيون تهديد الملاحة به، ويعتبر واحداً من أهم الأوراق في أيديهم ضد دول الخليج عامة.

الخلاف خلال الأزمة القطرية

رفضت سلطنة عمان الانحياز للرباعي العربي السعودية ومصر والإمارات والبحرين خلال حصاره لقطر الذي بدأ عام 2017، بل لعبت دوراً في مساندة الدوحة في التغلب على الحصار.

وحافظت سلطنة عُمان لعقود على حيادها تجاه أغلب صراعات المنطقة، ولكن الأصعب بالنسبة لها كانت السنوات الماضية، حينما قسم الصراع مجلس التعاون الخليجي، واتخذت السعودية والإمارات خطوات أظهرت فيها عدم التسامح حتى مع الحياد في أزمتهما مع قطر مثلما فعلت مع المغرب.

ما سر هذا التحول في العلاقة بين سلطنة عمان والسعودية؟

يرى تقرير وكالة Bloomberg أن وفاة السلطان العماني قابوس بن سعيد العام الماضي، الذي حكم لمدة خمسة عقود، فتحت الباب أمام التغيير، لافتاً إلى أن زيارة السلطان هيثم إلى المملكة العربية السعودية هي أول رحلة له إلى الخارج منذ توليه السلطة.

غير أنه يمكن القول إن التغيير في العلاقات بين سلطنة عمان والسعودية بدأ من الرياض أكثر من مسقط، فبعد تولي السلطان هيثم الحكم في يناير/كانون الثاني عام 2020، قائلاً: “سنظل كما عَرَفنا العالم”.

في المقابل فإن الرياض تبحث عن حل في اليمن يشمل الحوثيين، وهي بعد دخول بايدن للبيت الأبيض وتركيزه على إحياء الاتفاق النووي الإيراني، خففت خطابها التصعيدي ضد إيران، وفتحت مساراً للتفاوض معها عبر بغداد، وصالحت قطر، وخففت وتيرة التطبيع مع إسرائيل.

وأخيراً، يبدو أن السعودية تدخل في نزاع الإمارات حليفتها التي شاركت في صياغة السياسة الهجومية للمملكة خلال السنوات الماضية، ورغم أن النزاع يتعلق بالأساس برغبة أبوظبي في زيادة حصة إنتاجها النفطي، ولكن من الواضح أن له خلفيات سابقة تتعلق بالتنافس والخلافات في ملفات عدة منها اليمن والسجال على استضافة مقرات الشركات الدولية والتطبيع.

هل تتحالف الرياض ومسقط؟

اختفت علامات التحفظ في العلاقة بين عمان والسعودية في نهاية هذا الأسبوع، وشاركت شخصيات سعودية منشورات على الشبكات الاجتماعية احتفالاً بالتحالف.

وعقب الإعلان عن الزيارة، الجمعة، انضم وسم (هاشتاغ) سلطان عمان ضيف الملك سلمان، لقائمة الوسوم الأكثر انتشاراً بين السعوديين، ترحيباً بالزيارة.

وكتبت صحيفة Times of Oman، يوم السبت 10 يوليو/تموز، “إنَّ العلاقات العمانية السعودية تتجه إلى مستويات جديدة بعد يوم الأحد، لتبشر بعهد جديد من الازدهار الأوسع والتعاون المُوسَّع”.

وتحتل السعودية المرتبة الثانية في قائمة مستوردي الصادرات العُمانية غير النفطية، وفي المرتبة الرابعة من حيث إعادة التصدير، وفي المركز الخامس في قائمة الدول التي تستورد منها السلطنة، وتأتي رابعاً على مستوى العالم في استيراد الأسماك العُمانية.

وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 10 مليارات ريال سعودي في 2020 مرتفعاً بنحو الضعف منذ عام 2010 بحسب المركز الوطني للإحصاء والمعلومات في عمان.

أما أحدث الأرقام للربع الأول من 2021 فسجلت ارتفاع حجم التبادل التجاري بين البلدين بنسبة 6% بالمقارنة مع نفس الفترة العام الماضي ليصل إلى 2.250 مليار ريال سعودي.

وتحدث سفير سلطنة عمان لدى السعودية فيصل بن تركي آل سعيد لقناة العربية السعودية، عن حراك جديد على مستوى السلطنة فيما يسمى رؤية السلطنة 2040 يواكب ما يدور في المملكة بالتزامن مع رؤية 2030، وقال إن النقاشات بين البلدين ستحمل نقلة نوعية اقتصادية بين البلدين.

وفيما يخص المنفذ البري الرابط بين البلدين، كشف السفير آل سعيد قائلاً: “القيادة في السلطنة والسعودية عازمة على تدشين المنفذ قبل نهاية العام الجاري، وهو الذي سيؤسس من خلاله شراكة جديدة بين البلدين، وأنا أعتقد أن المنفذ الحدودي يعد نقطة البداية للعمل لإتاحة العديد من الخدمات والفرص والنقلات النوعية التي يعول عليها القطاع الخاص في كل الأصعدة بين البلدين”.

وفي موقف يشير إلى الأزمة بين الرياض وأبوظبي، دعت سلطنة عمان والسعودية في بيان مشترك إلى استمرار التعاون بين أوبك والمنتجين المتحالفين الآخرين من خارجها لتحقيق الاستقرار والتوازن في سوق النفط.

وأعلن ملك السعودية سلمان بن عبدالعزيز وسلطان عُمان هيثم بن طارق عن إنشاء مجلس للتنسيق السعودي العماني في كافة المجالات، بهدف توسيع آفاق التعاون بين البلدين.

وفي مؤشر على تأثيرات استراتيجية محتملة للزيارة، أفادت تقارير بأن المحادثات السعودية-الإيرانية قد تنتقل إلى سلطنة عُمان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى