هل بات السودان على موعد مع المصالحة الوطنية الشاملة؟ تغيّرات مهمة حدثت توحي بذلك
برزت في السودان حاضنة سياسية جديدة للفترة الانتقالية، بعد إقرار تعديل الوثيقة الدستورية، الموقّعة بين ائتلاف قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري، لتشكيل “مجلس شركاء الفترة الانتقالية”.
وتزامن بروز هذه الحاضنة مع ظهور خلافات داخل إعلان الحرية والتغيير والائتلاف الحاكم، خرج على إثرها الحزب الشيوعي، في 7 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، من الائتلاف، عقب إعلان انسحابه من قوى الحرية والتغيير وقوى الإجماع الوطني.
وسبق أن أعلن تجمع المهنيين السودانيين، في 25 يوليو/تموز الماضي، انسحابه من هياكل قوى إعلان الحرية والتغيير، بعد أن وجّه انتقادات لأدائها.
ويمثل تعديل الوثيقة الدستورية وتوقيع اتفاقية السلام في جوبا مع الحركات المسلحة، وفق محللين في أحاديث للأناضول، بداية لمشهد سياسي جديد يشمل توسيع مستوى الشراكة في إدارة المرحلة الانتقالية وقد يصل إلى مصالحة تشمل حتى الإسلاميين، المنتمي إليهم الرئيس المعزول عمر البشير (1989: 2019).
ووصل إلى العاصمة السودانية الخرطوم، في 15 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، قادة الحركات المسلحة الموقّعة على اتفاقية السلام مع الحكومة الانتقالية.
وأظهر قادة الحركات المسلحة، في لقاءات تلفزيونية، خطاباً تصالحياً يدعو إلى عدم إقصاء التيارات السياسية الإسلامية والبعد عن الصراع الأيديولوجي.
وبدأت بالسودان، في 21 أغسطس/آب 2019، مرحلة انتقالية تستمر 53 شهراً تنتهي بإجراء انتخابات، ويتقاسم السلطة خلالها كل من الجيش وائتلاف قوى إعلان الحرية والتغيير.
وقاد هذا الائتلاف احتجاجات شعبية على تردي الأوضاع الاقتصادية، ما أجبر قيادة الجيش، في 11 أبريل/نيسان 2019، على عزل البشير من الرئاسة.
عهد جديد
يطرح تعديل الوثيقة الدستورية تأسيس عهد جديد في السودان وبالتالي إمكانية قيام “مجلس الشراكة للفترة الانتقالية” بإدماج الجميع في إدارة الفترة، وتوسيع الائتلاف الحاكم بشكل غير مباشر.
وفي 2 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، اعتمد مجلسا السيادة والوزراء تعديلات للوثيقة باسم “الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية (تعديل) لسنة 2020”.
وتشمل التعديلات تمديد المرحلة الانتقالية نحو 14 شهراً، ليبدأ حساب مدتها (39 شهراً) من تاريخ توقيع اتفاقية السلام، في 3 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد أن كان حسابها بالمدة نفسها منذ 21 أغسطس/آب 2019.
وأقر التعديل تشكيل مجلس السيادة من 14 عضواً، 5 مدنيين تختارهم “قوى إعلان الحرية والتغيير”، و5 أعضاء يختارهم المكون العسكري، وعضو مدني يتم اختياره بالتوافق بين المكون العسكري وقوى الحرية والتغيير، و3 أعضاء تختارهم الحركات الموقعة على اتفاقية السلام.
ويُنشأ مجلس يُسمى “مجلس شركاء الفترة الانتقالية”، تُمثل فيه أطراف الاتفاق السياسي في الوثيقة الدستورية، ورئيس الوزراء، وأطراف اتفاقية جوبا.
مصالحة سياسية
قال محمد عبدالقادر، كاتب صحفي ومحلل سياسي، للأناضول: “بالفعل بدأت تتشكل حاضنة سياسية جديدة، وهي فرصة لإنقاذ الفترة الانتقالية وتجاوز أخطاء الماضي”.
وأضاف: “من المتوقع أن يتجاوز هذا التشكيل الجديد الإقصاء السياسي والتشفي الذي كان ممارساً خلال العام الماضي، وأتوقع أن يكون المجلس الجديد حاضنة بديلة لقوى إعلان الحرية والتغيير على الرغم من وجود ممثلين لها في المجلس”.
ورأى أن “الخطاب التصالحي لقادة الحركات المسلحة، عقب وصولهم الخرطوم، أظهر اتجاهاً لإجراء مصالحة سياسية تشمل حتى تيارات الإسلاميين”.
طابع عسكري
ورجح عبدالعزيز النقر، كاتب صحفي ومحلل سياسي، في حديث للأناضول، أن “الحاضنة السياسية ستتوسع في المرحلة القادمة لتشمل أحزاباً شاركت ضمن النظام السابق، بينها الحزب الاتحادي الديمقراطي، بزعامة محمد عثمان الميرغني، وحزب الأمة، بقيادة مبارك الفاضل”.
فيما رأى فيصل يس، رئيس المنبر الديمقراطي القومي، أن “الحاضنة السياسية الجديدة هي مجلس شركاء الفترة الانتقالية، ولن تكون مدنية، وإنما يغلب عليها الطابع العسكري”.
وأضاف يس للأناضول أن “الفترة الانتقالية القادمة يغلب عليها قضايا تتعلق برد المظالم التاريخية في المناطق التي شهدت صراعاً مسلحاً، كما تتضمن بنداً للترتيبات الأمنية المتعلقة بقوات الحركات العسكرية”.
متفقاً مع يس، قال عبدالقادر إن “الهيمنة في مجلس شركاء الفترة الانتقالية ستكون للمكون العسكري بعد دخول الحركات المسلحة في مواقع اتخاذ القرار في مؤسسات الفترة الانتقالية”.
فرص التسوية
ترى مشاعر عثمان، رئيسة تحرير صحيفة “أول النهار” السودانية، أن “فرص التسوية السياسية حاضرة، بعد توقيع اتفاقية السلام”.
وتابعت للأناضول: “في السياسة كل شيء جائز، قادة الحركات المسلحة، مني أركو مناوي ومالك عقار وياسر عرمان، أشاروا في خطاباتهم إلى عدم إقصاء الإسلاميين، وضرورة تحقيق مصالحة بالسودان”.
وأضافت: “دخول الحركات المسلحة (في مؤسسات الفترة الانتقالية) هو بداية لوضع جديد”.
وضع الإسلاميين
وقال نائب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان/شمال، ياسر عرمان، في 16 يونيو/حزيران 2019، إنه لا أحد يستطيع اجتثاث الإسلاميين، ودعاهم إلى مراجعة برنامجهم ومشروعهم القديم.
كما قال نائب “رئيس الجبهة الثورية”، رئيس الحركة الشعبية/قطاع الشمال، مالك عقار، في تصريح متلفز الأربعاء: “أتينا لنضع أيدينا مع الجميع “لأن هدفنا هو بناء الدولة السودانية، ويشمل ذلك حتى الإسلاميين”.
وأردف أن “الإسلاميين (التيارات الإسلامية السياسية) فيهم ناس جيدون جداً وليسوا كلهم سيئين، هنالك إسلاميون معتدلون ولديهم رؤية للدولة السودانية”.
ودعا من جهته رئيس حركة العدل والمساواة، جبريل إبراهيم، الثلاثاء، إلى تحقيق وفاق وطني شامل وحث على نبذ الصراع الأيديولوجي بين الإسلاميين الشيوعيين، وأن تضع الأحزاب برامج تتنافس عليها لتقديم الخدمات للمواطنين.
كما دعا رئيس حزب المؤتمر، ممثل قوى الحرية والتغيير، عمر الدقير، في 17 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إلى توسعة الائتلاف الحاكم وإصلاحه تنظيمياً وسياسياً ليضم كافة قوى الثورة على نظام البشير.
وانضم زعيم الإسلاميين الراحل، حسن الترابي، في سبتمبر/أيلول 2009، إلى تحالف سياسي، يضم أحزاباً يسارية وليبرالية لمناهضة حكم البشير، باسم تحالف “قوى الإجماع الوطني”، وتألف من 17 حزباً.
وضم التحالف معظم الأحزاب المعارضة، بما فيها المؤتمر الشعبي بقيادة الترابي، بجانب حزب “الأمة القومي”، بقيادة الراحل الصادق المهدي، والحزب الشيوعي، بزعامة محمد إبراهيم نقد.
لكن بعد نحو 10 أشهر من وفاة قائده، قرر المؤتمر الشعبي، في 13 يناير/كانون الثاني 2017، المشاركة مع النظام السابق في الحكم.
وأثار القرار وقتها تخوفاً من رموز في المعارضة بشأن توحد الإسلاميين بعد 17 عاماً من الانشقاق الشهير بين حزبي “المؤتمر الوطني”، الحاكم سابقاً، و”المؤتمر الشعبي” بقيادة الترابي.