تحليلات و آراء

وجود الكيان الصهيوني المحتل.. هو العار      1/2

  • سليم يونس الزريعي

بعد تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخرا قرارا يطالب محكمة العدل الدولية بالنظر في مسألة الاحتلال الإسرائيلي لأراض فلسطينية، وصف سفير كيان المستجلبين اليهود  إلى فلسطين جلعاد اردان القرار بأنه “وصمة عار أخلاقية للأمم المتحدة”، مضيفا “لا يمكن لأي منظمة دولية أن تقرر ما إذا كان الشعب اليهودي مُحتلًّا في أرضه”.

المفارقة أن تجمع المستجلبين اليهود في فلسطين يتجاهل الحقائق العلمية والتاريخية والأخلاقية التي تنفي صلتهم بفلسطين التي هي أرض فلسطينية منذ أن كانت في البدء،  ليزعم بوقاحة أن فلسطين  هي أرضهم، مستندا إلى كتابهم الديني المشحون بالأساطير والتزوير.

ومن أكد أن كتابهم هو أساطير وتزوير وأنه لا يوجد ما يسمى بالشعب اليهودي ليس نحن، وإنما علماء آثار ومؤرخين يهود من المستجلبين أيضا، ممن سعوا لإثبات رواية توراتهم بشكل علمي، يستند إلى حقائق ملموسة، فاكتشفوا  أن الذرائع الدينية وغيرها من المبررات التي روج لها الغرب الاستعماري والمسيحية الصهيونية والحركة الصهيونية من أجل استعمار فلسطين على حساب أهلها الذين عمروها لآلاف السنين المتصلة والممتدة قبل بدء تلك المؤامرة هي تزوير للتاريخ.

وكان لوضع تك الذرائع على مشرحة الحقيقة، أن كشفت أن ما جرى مثَّل أكبر عملية تزوير ديني وتاريخي على مر العصور، ولا يتعلق الأمر هنا بالفصل بين التوراة ككتاب دين والحقائق التاريخية، وإنما في جعل التوراة في ذاته مصدرا للتاريخ، للادعاء بالحق التاريخي في فلسطين، وأخذ كل ما جاء في التوراة على أنها حقائق ربانية مطلقة، ومن ثم اعتبار التوراة الأساس الفكري لإقامة الكيان الصهيوني، بجعله يتجاوز كونه مجرد كتاب دين لأتباع الديانة اليهودية، ليكون برنامج عمل، لمعتنقي الديانة اليهودية مهما تنوعت أعراقهم والجغرافيا التي ينتمون إليها(1).

وجذر هذه الخرافة انطلق من أسطورة التوراة  التي زعم اليهود والصهيونية المسيحية  أن يهوه وعد إبراهيم ونسله بأرض كنعان من النيل إلى الفرات، بأن أعطتهم هذه الأسطورة حق امتلاك أجزاء من الوطن العربي، وإنكار هذا الحق عن سكان فلسطين الأصليين وأصحابها الشرعيين.

إن الزعم الصهيوني بأن فلسطين هي جزء من أرض الميعاد من الحدود التوراتية التي منحها يهوه لنسل إبراهيم(2)، هو زعم تأسس على الخرافة، بناء على الحقائق العلمية التي أثبتها مؤرخون وعلماء آثار يهود.  التي  تتفق والمنطق الذي يقول بأنه لا يمكن تصور أن إلها عادلا ومنصفا، كون العدل والإنصاف من صفاته،  يمكن أن يقدم على سلوك ليس من صفاته بأن ينزع أرض الفلسطينيين ويمنحها لمجموعة بشرية أخرى.

والمفارقة هنا أن كل هذا الكذب والتزييف ينسب إلى إله اليهود، ,وإذا كان الكذب هو حالة إنسانية ، فهل يمكن للإله أن يكذب؟ ويبدو أن من كتبوا التوراة  بعد قرون من الأسر في بابل قد تعمدوا كذبا أن يضفوا على كتابهم صفة ربانية، ومع ذلك أصرت الصهيونية المسيحية والحركة الصهيونية. على الترويج للتوراة  باعتباره كتاب تاريخ أيضا، يستند  إلى وعد وإرادة إلهية، وعلى ضوء تلك الخرافة  جرى التعامل مع التوراة كأساس فكري لإقامة الكيان الصهيوني بجعله من مجرد كتاب ديني إلى برنامج عمل ومصدرا للتاريخ للادعاء بالحق التاريخي في فلسطين، فكان أن وجدت الحركة الصهيونية في هذا الكتاب الديني الأساس الفكري الأهم لإقامة الدولة اليهودية. ولذلك جرت عملية فكرية واسعة لتعميق مفاهيم هذا الكتاب في الذهن الصهيوني، وتحويله من مجرد كتاب ديني إلى برنامج عمل، بعد أن كان المتدينون اليهود وطوال قرون يركزونه على التلمود الذي يحوي التشريعات والشرائع الدينية ويخلو تقريبا من الأبعاد التاريخية.

فـ”التوراة” كان في العرف الصهيوني مصدرا للتاريخ، وفيه تكمن كل مبررات الادعاء اليهودي بالحق التاريخي في فلسطين. وجاء هذا الإحياء لهذا المصدر في الوقت الذي كانت فيه أغلبية الباحثين في هذا الحقل ترى في هذا الكتاب مجرد كومة من الأساطير التي لا يمكن الاستناد إليها، لا في كتابة التاريخ القديم لفلسطين، ولا في منح الحق لليهود في فلسطين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى