وعد السنوار للأسرى.. أي ثمن؟!
سليم الزريعي
شاهدت وسمعت مراسلا لأحد القنوات بعد عملية تبادل لأسرى من الضفة مع مختطفات يهوديات، يسأل أحد هؤلاء الأسرى الذين أطلق سراحهم الكيان الصهيوني في صفقة التبادل مع حماس: هل أوفي أبو إبراهيم (يحيى السنوار) بعهده تحرير الأسري؟ وهو في تقديري كان سؤالا كاشفا، من شأنه والحال هذه أن يطرح سؤالا مفخخا وهو: هل كان تعهد السنوار هو الغاية العليا لطوفان حماس؟ وأن تلك الغاية كانت هي الحاكمة لموقف حماس أثناء البحث في عقد صفقة مع الكيان، دون أي اعتبار للثمن الذي سيدفعه الشعب الفلسطيني في غزة من أجل ذلك، كونها كانت التزاما شخصيا لقائد حماس القوي في غزة آنذاك يحيى السنوار.
وإن كان الأمر كذلك فهذا للأسف ربما يعري بشكل ما، تلك الذهنية التي اختزلت نكبة غزة التي استمرت خمسة عشر شهرا في مدي وفاء السنوار بما وعد به الأسرى، ومن ثم يكشف بؤس تلك الذهنية التي جعلت من وفاء السنوار بوعده للأسرى في سجون الاحتلال عند خروجه من السجن في صفقة شاليط أنه سيحررهم من الأسر كهدف مركزي لطوفان حماس، وبأنه كما أكدت الوقائع، كان المعادل لنكبة غزة، وهذا ربما يستحضر جانبا من الإجابة عن سؤال لم طالت مدة الحرب، دون التفكير في الضحايا الذين كانوا يسقطون وحتى اللحظات الأخيرة من بدء تنفيذ الصفقة؟
ومن ثم فإن عدم التفكير في الضحايا كما يبدو كقيمة إنسانية عليا، هو من جعل أبو عبيدة المتحدث باسم كتائب القسام، والمختبئ هو وجماعته بالأنفاق، يقرر أن سقوطهم هو “ثمن مستحق” لما سماه “تحرير الأرض والإنسان والمقدسات”.. وهو التوصيف الذي أرى أنه وفق المعطيات، تدليس متعمد كونه يتجاهل أن غزة قد احتلت بعد طوفان حماس، وأن الشعب الفلسطيني في غزة كان يموت جوعا، والمقدسات باتت تنتهك حرماتها في كل يوم وبشكل غير مسبوق، والضفة الغربية تعيش حالة تغول لجيش الاحتلال وقطعان مستوطنيه في ظل دعوات بضمها للكيان، والإنسان الذي ادعى أنهم حرروه ضمن منشور الدعاية لانتصار حماس، تؤكد الوقائع أن هذا التوصيف هو مجرد حالة ذهنية لدى أبو عبيدة وفريقه المفصولين عن الواقع وعن نبض أغلبية أهل غزة، الذين دُمرت حياتهم مجانا؛ لأن السنوار وعد بتحرير الأسرى، وأنه كي يبر بوعده فإن عليهم أن يكونوا هم الضحية لتحقيق ذلك الوعد، فيما كان التظهير الإعلامي لعملية التبادل بالشكل الذي جرت عليه، والاحتفاء بها، عبر المشاهد التي جرى تسويقها وكأنها انتصار، لا يمكن أن تحجب جثث الآلاف من أبناء شمال غزة التي كانت حتى تلك اللحظة في الشوارع وتحت الركام.
ولذلك فإنني أعتقد أن هذا التظهير الإعلامي لمظاهر التبادل واحتفاء أهل المحررين بهم، ولهم كل الحق في ذلك، لا يمكن أن تجعل من عملية كي الوعي المتعمد بهذه الدعاية الإعلامية، وسيلة للتغطية على النكبة بكل تفاصيلها، في ذاكرة ووعي وواقع أهل غزة المعاش، لعشرات السنين.
وهنا يجب تدارك أي محاولة لُبس عند تفسير ما نقوله انطلاقا من سوء النية، وهو التأكيد على أن الأسري يمثلون قيمة كبيرة في الواقع والوجدان الفلسطيني، وأن شرف وجودهم في الأسر هو بالضرورة نتيجة نضالهم ضد الوجود الكولنيالي الصهيوني، وهذا النضال الذي كان خيارا شخصيا حرا واعيا لكل واحد منهم ارتباطا بانتمائه السياسي الخاص أو الوطني العام، وهو خيار كان يحتوي ضمن شرط اللحظة ثنائية الشهادة أو الأسر، وقد مارس الأسير مشروعه النضالي وهو يعي تماما أنه محكوم في المدى المنظور بهذه الثنائية الأسر أو الشهادة.
ولا أتصور أن أسيرا يمتلك الحد الأدنى من النزاهة الفكرية والسياسية والأخلاقية قد يقبل، أن يكون ثمن حريته هو كل هذا الخراب الذي طال غزة وأعادها عقودا إلى الوراء، كي يرضي رغبة أو نزوة لدى هذا المسؤول أو ذاك، ومن يقبل فإن علامة استفهام كبيرة على صدقية تضحيته وانتمائه الوطني.
وإنني كنت لأتمنى لو أعلن مسؤولي الأسرى على الأقل انطلاقا من موقعهم كمسؤولين موقفا واضحا أن لا يكون تحريرهم ذريعة لإطالة مدة المحرقة، سعيا وراء مقايضة من شأنها أن تحرر مئات الأسرى أو أكثر، في حين أن المحرقة أبادت عشرات الآلاف.
وهي مقايضة تمثل معادلا غير أخلاقي أو وطني مطلقا، ذلك أنه لا يحق لأي كان أن يقرر حياة الآخرين، كونه سلطة أمر واقع، نيابة عنهم لتحقيق أهداف حزبية، أو رغبة شخص قرر أن يكون يطلا على حساب أهل غزة بشرا وحجرا في نكبة غير مسبوقة جعلت قطاع غزة غير صالح للحياة، جراء المحرقة التي رد بها الكيان الصهيوني على عملية 7 أكتوبر 2023 التي نفذتها حركة حماس ضد مستوطنات غلاف غزة، التي شكلت صدمة غير مسبوقة بالنسبة له؛ لكن دون أن تضع حماس في حسابها ردة فعل العدو ودورها كسلطة أمر واقع في حماية الناس ضمن مسوليتها السياسية والأخلاقية والإنسانية، وأنها هي التي كانت السبب في الصدمة التي فجرت كل هذا التوحش لدى الكيان الصهيوني، وشروعه في حملة انتقام، راح ضحيتها أكثر من 6 في المائة من سكان غزة بين قتيل ومفقود ومصاب.
لكن كل ذلك الموت والخراب لم يجعل حماس تغير من جوهر موقفها في صفقة التبادل كما أراد لها ذلك السنوار ، دون أي اعتبار في أن كل يوم إضافي كانت تستمر فيه الحرب، كان يحصد المزيد من الضحايا، الذي اعتبرتهم مع فداحته ثمنا مستحقا من أجل التحرير، وهي مغالطة وتدليس متعمد بعد أن باتت غزة نفسها تحت الاحتلال المباشر للكيان الصهيوني كنتيجة لطوفان حماس.
السوال: هل كان على غزة وأهلها والضفة الغربية أن يدفعوا كل الثمن؛ كي يقال إن السنوار قد أوفي بوعده، وأن الوفاء بالوعد كان يعلو مصير غزة وأهلها؟!