الأقلية تهزم الأغلبية.. ما هو إجراء التعطيل الذي يستخدمه الجمهوريون لمنع التحقيق في هجوم الكونغرس؟
استخدم الجمهوريون، الذين يمثلون أقليةً في مجلس الشيوخ الأمريكي، إجراء التعطيل (المماطلة السياسية) لعرقلة مشروع قانون ديمقراطي كان يستهدف فتح تحقيقٍ من الحزبين في هجوم الكابيتول (اقتحام أنصار ترامب للكونغرس خلال جلسة انتخاب بايدن) الذي وقع في السادس من يناير/كانون الثاني 2021.
وهذه هي أول مرة يستخدم فيها الحزب الجمهوري هذا الإجراء لعرقلة تشريعٍ كبير في عهد الرئيس الديمقراطي جو بايدن، حسبما ورد في تقرير لوكالة Associated Press الأمريكية.
لكن الانتصار الجمهوري في تعطيل هذا التحقيق الذي قد يمس ترامب، قد يُشجع الديمقراطيين على محاولة تحديد أو إلغاء إجراء التعطيل الذي كان لعنةً على الأغلبية في مجلس الشيوخ منذ عهد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة.
ودعت الأصوات من كلا الجانبين إلى الإصلاح في مواجهة الجمود الحزبي، بما في ذلك إنهاء إجراء التعطيل، وبينما قد يكون التغيير ممكناً الآن بعد أن يسيطر الديمقراطيون على الكونغرس والبيت الأبيض، فإن الديناميكيات المعقدة في مجلس الشيوخ ستجعلها معركة شاقة.
ما المقصود بإجراء التعطيل؟
بعكس مجلس النواب، يفرض مجلس الشيوخ القليل من القيود على حق المشرعين في التحدث. كما يستطيع أعضاء مجلس الشيوخ استغلال قواعد المجلس لعرقلة أو منع التصويت. وتُسمّى هذه الخطوات الإجرائية معاً باسم “التعطيل”.
وهناك قانون يسمى قانون “جلطة مجلس الشيوخ”- الذي يتطلب 60 عضواً لإنهاء النقاش حول معظم الموضوعات والانتقال إلى التصويت- يمكن أن يشكل حاجزاً حاداً أمام أي أجندة سياسية لأي رئيس جديد، حسبما ورد في تقرير لمؤسسة Brookings الأمريكية.
يبلغ عدد أعضاء مجلس الشيوخ مئة عضو، وأغلب القوانين تمر بأغلبية بسيطة النصف زائد واحد.
لا يعني إجراء التعطيل أن التصويت على أي قانون يحتاج إلى 60 صوتاً، ولكن واقعياً يعني إجراء التعطيل أنه بالنسبة للعديد من المسائل في مجلس الشيوخ، لا يمكن قطع النقاش حول موضوع ما، إلا إذا دعم ذلك ما لا يقل عن 60 من أعضاء مجلس الشيوخ.
وبينما لا تزال قواعد مجلس الشيوخ تتطلب أغلبية بسيطة لتمرير مشروع قانون، فعلياً تتطلب العديد من الخطوات الإجرائية على طول الطريق لسن أي قانون أغلبية من 60 صوتاً لإنهاء النقاش حول المشروعات المطروحة.
وعادةً ما يقول الأعضاء لزعماء مجلس الشيوخ إنّهم سيُعطّلون مشروع قانونٍ بعينه، أو يقولونها علناً، بدون الحاجة إلى خطابات مطولة. ولا يحدث التأثير عادةً نتيجة تأخير أعمال مجلس الشيوخ، بل نتيجة الحاجة إلى أغلبية مطلقة من الأصوات لإيقاف الإجراء.
تاريخ إجراء التعطيل.. بدأ كعملية تنظيمية
وتُشير سجلات مجلس الشيوخ إلى أنّ ظهور مصطلح إجراء التعطيل (Senate Filibuster) بدأ في منتصف القرن الـ19. والكلمة مستوحاةٌ من المصطلح الهولندي freebooter والإسباني filibusteros، وكلاهما يُستخدم لوصف القراصنة.
لم يكُن التعطيل جزءاً من رؤية المؤسسين الأصلية لمجلس الشيوخ، وبدأ ظهوره في عام 1806 عندما قام مجلس الشيوخ- بناءً على نصيحة نائب الرئيس آرون بور- بإزالة بند (يُعرف رسمياً باسم اقتراح السؤال السابق) يسمح للأغلبية البسيطة بفرض التصويت على السؤال الأساسي في المسألة التي نوقشت.
لم يكن هذا القرار قراراً استراتيجياً أو سياسياً- لقد كان أمراً بسيطاً لأهداف إجرائية وتنظيمية.
ثم أصبح إجراء “التعطيل” سمة منتظمة لنشاط مجلس الشيوخ، سواء في الفترة التي تسبق الحرب الأهلية أو بعدها. سعى قادة مجلس الشيوخ من كلا الحزبين، لحظر المماطلة أو التعطيل طوال القرن التاسع عشر، لكنهم فشلوا.
وتُشير سجلات الكونغرس الأول عام 1789 إلى أنّ الأعضاء قد اشتكوا من أمر الخطابات المطوّلة التي تُعيق صدور التشريعات. وقد تزايد الإحباط حتى عام 1917، حين صوّت مجلس الشيوخ من أجل السماح للأعضاء بأن ينهوا إجراء التعطيل بأغلبية ثلثي الأصوات.
اتبعت عدة تغييرات على القاعدة في العقود القادمة. في الآونة الأخيرة، في عام 1975، تم تخفيض عدد الأصوات اللازمة للتعطيل في المسائل التشريعية إلى ثلاثة أخماس (أو 60 عضواً، إذا كان مجلس الشيوخ بكامل قوته).
كما أن إنهاء التأخيرات المرتبطة بالترشيحات لا يحتاج سوى أغلبيةٍ بسيطة فقط، بفضل تغيير القوانين في السنوات الأخيرة، حسب تقرير وكالة Associated Press .
كم يحتاج الديمقراطيون من أصوات للمضي قدماً في إقرار أي قانون؟
سيطر الديمقراطيون على البيت الأبيض ومجلسي النواب والشيوخ في انتخابات عام 2020. وتعرضوا للكثير من الضغوط أثناء تطبيقهم الأجندة التي تشمل إنفاق تريليونات الدولارات لدعم الاقتصاد، ومكافحة الجائحة، وتوسيع حقوق التصويت، ومساعدة ملايين المهاجرين غير القانونيين على أن يصيروا مواطنين أمريكيين شرعيين.
لكن الديمقراطيين يحظون بأغلبيةٍ ضئيلة في مجلس النواب، ويُسيطرون على مجلس الشيوخ المُقسّم مناصفةً فقط بفضل الصوت الفاصل لنائبة الرئيس كامالا هاريس. وهذا يعني أنّ إنهاء إجراء تعطيل يعني حاجة الديمقراطيين إلى 10 أصوات جمهورية على الأقل، وهي مهمةٌ صعبة في وقتٍ تشهد فيه الولايات المتحدة حزبيةً شديدة.
كيف يمكن تغيير القوانين لإلغاء هذا الإجراء؟
أصاب هذا الوضع أعضاء مجلس الشيوخ التقدميين وغيرهم من الجماعات الليبرالية بالإحباط. لذا ضغطوا على زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر لإلغاء إجراء التعطيل، مع زيادة استخدام الإجراء بواسطة الحزب الذي يملك الأقلية مؤخراً.
وفي الأشهر الخمسة الأولى من الأسبوع الجاري، كان هناك بالفعل 41 صوتاً مستعدون لإلغاء إجراء التعطيل، وغالبيتهم من مرشحي بايدن.
في حين أن الديمقراطيين لديهم بعض الخيارات الإجرائية للتحايل على التعطيل، فإن الجدل حول ما إذا كان يجب الاحتفاظ بالإجراء من المرجح أن يظل في مركز الصدارة؛ حيث يعمل المشرعون على معالجة مجموعة التحديات التي تواجه البلاد، وفقاً لتقرير مؤسسة Brookings.
ما الذي يمكن للديمقراطيين فعله؟
يحتاج مجلس الشيوخ إلى أغلبيةٍ بسيطة بـ51 صوتاً من أجل إلغاء أو إضعاف إجراءات التعطيل.
لكن ضغوط الحزب الجمهوري للاحتفاظ بإجراء التعطيل قويٌة للغاية، وظهر ذلك في قول زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل إنّ الديمقراطيين يرغبون في إلغاء الإجراء ليتمتعوا بـ”سلطةٍ مطلقة”.
وفي ظل سعي الديمقراطيين إلى فرض أولوياتهم قبل أن يخسروا أغلبيتهم الهشة، فقد زاد التأييد في أوساطهم لإلغاء هذا إجراء التعطيل أكثر. إذ قال بايدن، الذي يتمتع بنفوذٍ كبير رغم أنّه لا يحق له التصويت، إنّ هذا الإجراء “تتم إساءة استخدامه على نطاقٍ واسع”.
ومع ذلك، لا يمتلك الديمقراطيون ما يكفي من الأصوات لإلغاء إجراء التعطيل. إذ عارض أكثر السيناتورات المحافظين من الحزب الديمقراطي تغيير القانون، جو مانشين وكريستين سينيما، وجادلوا بأنّ البلاد ستستفيد أكثر حين يبحث الكونغرس عن حلولٍ للمشكلات بطريقةٍ تناسب الحزبين.
ما تأثير التصويت على لجنة التحقيق في هجوم الكونغرس على مستقبل إجراء التعطيل؟
يرى الديمقراطيون أنّ تشكيل لجنةٍ للتحقيق في الهجوم على الكابيتول بواسطة أنصار ترامب تُعتبر من أهم قضاياهم التي تحظى بدعمٍ شعبي. إلى جانب العديد من القضايا الأخرى.
وحتى الآن لم يُجبر شومر مجلس الشيوخ على التصويت على تلك القوانين التي تشغل الديمقراطيين.
لكن دعاة إلغاء إجراء التعطيل يأملون أن التصويت على منع تشكيل لجنة السادس من يناير/كانون الثاني، في يوم الجمعة الرابع من يونيو/حزيران، سوف يزيد الضغط على شومر ومانشين وسينيما لإلغاء المماطلة (إجراء التعطيل).
وقد وصف مانشين تعطيل الحزب الجمهوري لمسار اللجنة بأنّه “غير منطقي”، وذلك في بيانٍ لم يظهر منه أي تغيير في دعمه للإبقاء على إجراء التعطيل.
بينما لم يكشف شومر عن موقفه، لكنه أبقى الباب مفتوحاً، إذ قال الأسبوع الجاري: “نأمل في إحراز التقدم مع الجمهوريين، لكننا لن نسمح لاعتراضاتهم أن تقف في طريقنا”.
واستخدم الديمقراطيون إجراءات الميزانية الخاصة للدفع بحزمة إغاثة بايدن الخاصة بكوفيد-19 في مجلس الشيوخ، معتمدين في ذلك على أغلبيةٍ بسيطة خلال شهر مارس/آذار. وربما يحاولون فعل الشيء نفسه في مشروع البنية التحتية الضخمة الذي ينتويه بايدن، رغم أنّ قوانين مجلس الشيوخ تحد من قدرتهم على فعل ذلك.